سامر سنقرط
بالرغم من المطالبات المتكررة للحكومة لزيادة إهتمامها في السوق المالي وضرورة إصلاح التشريعات المتعلقة به، لما له من دور هام في تعبئة وتوظيف المدخرات الوطنية، إلا أن الحكومات المتعاقبة ظلت تتجاهل تلك المطالب الهادفة إلى تصحيح مسار السوق وإيجاد البيئة التنظيمية والصحية له، والتي تضمن تزايد الثقة فيه وتشجيع قدوم الإستثمارات الأجنبية.
ذلك أن المستثمرين الأجانب عند قيامهم بدراسة البيئة الإستثمارية لأي بلد، يلتفتون أولا إلى السوق المالية ومدى عمقها وسهولة الدخول والخروج ومدى سيولة السوق وعمق نشاطه وعوائده التاريخية والمتوقعة بالإضافة إلى دراسة المخاطر الكامنة فيه.
رغم أن تشجيع الإستثمار بشكل عام يعد من أهم أولويات الحكومة، وتشكل البورصة بالطبع أحد أهم أدواته وآلياته، إلا أن الحكومات المتتالية لم تعره أي إنتباه وظل السوق غارقا في سبات عميق خلال السنوات السبع الماضية، إلى أن جاء تدخل جلالة الملك في الأسبوع الماضي، وطالب بتنشيط بورصة عمان لإزالة الصورة المغلوطة والإنطباعات الخاطئة عنها وعن دورها الهام في زيادة النمو الإقتصادي وتنمية مدخرات المواطنين.
فبورصة عمان تحتوي على العديد من الفرص الإستثمارية الجيدة في شركات واعدة وقوية وذات إدارات كفؤة وتحظى بالثقة وتقوم بتوزيع الأرباح سنويا .كما انه لا يعني وجود بعض الشركات المتعثرة والخاسرة التعميم بأن جميع الشركات هي كذلك. ولكن على المستثمر في السوق أن يستعين بالدراسات المتخصصة عن تلك الشركات أو أن يأخذ النصح والمشورة من شركات الإستشارات والدراسات التحليلية ليستطيع التفريق بين الشركات الجيدة والشركات السيئة قبل شراء الأسهم .
وإذا كانت حكوماتنا لا تهتم أو تعتني بالسوق المالي ، فكيف للمستثمرين الأجانب أن يثقوا بهذه السوق؟. ونرى أنه في الدول العظمى يجتمع رؤساء تلك الدول فقط لطمأنة الأسواق المالية عند حدوث أي أزمات، وكلنا رأينا كيف صعدت البورصة المصرية مؤخرا بنسبة 15% خلال يومين فقط بعد أن إستنجد رئيس البورصة المصرية بالرئيس السيسي لتأجيل فرض الضرائب على الأرباح الرأسمالية للأسهم المصرية.
ولكن في ألأردن، ما زالت البورصة الأردنية في آخر إهتمامات الدولة للإصلاح الإقتصادي، وحتى قانون الأوراق المالية الجديد لم يتم إدراجه على جدول أعمال الدورة الإستثنائية الحالية لمجلس الأمة بعد أن تم قطع شوط كبير في مناقشته في الأشهر الماضية !
غني عن الذكر بأن بورصة عمان تلعب دورا رئيسيا ومهما في تعبئة المدخرات الوطنية وتوظيفها، ولولا وجود السوق المالي لما قامت شركات كبيرة مثل مصفاة البترول والفوسفات والبوتاس والكهرباء والإسمنت.
وهذه الشركات تشغل آلاف الأيدي العاملة وتساهم في زيادة النمو الإقتصادي وزيادة التصدير وتوفير العملات الصعبة وتقديم الخدمات للمواطنين .
وعلاوة على ذلك ،فإن عدد الأردنيين الذين يمتلكون أسهما في سوق عمان المالي ينوف عن 700 ألف مواطن يعيلون عددا من الأسر يشكل حوالي نصف سكان المملكة يستفيدون من ملكياتهم للأسهم الأردنية سواء من خلال الأرباح الموزعة أو من خلال إرتفاع قيمة الأسهم أو من خلال توزيع الأسهم المجانية .
كما ان جميع القطاعات الإقتصادية تتشابك مصالحها مع الشركات المدرجة في السوق المالي والتي يزيد عددها عن 270 شركة.
وهذه القطاعات تشمل البنوك وشركات التأمين والموردين للسلع والخدمات والإستشارات المحاسبية والقانونية والمالية .
ولذلك فإن صحة وسلامة الأوضاع المالية للشركات المساهمة العامة تعتبر ضرورية لصحة وسلامة الإقتصاد الوطني ككل، وهذا ما يؤكد أهمية بورصة عمان في توظيف الأموال وتشجيع إقامة الشركات الجديدة لما لها من دور تنموي ومحوري في عملية التنمية الإقتصادية .
لا تزال بورصة عمان تنزف وتتزايد خسائرها على مدى السنوات السبع الماضية بينما تعافت معظم بورصات المنطقة وإرتفعت إلى مستويات ما قبل الأزمة العالمية، مع العلم بأن المستثمرين الأردنيين يحتلون المركز الأول بين المستثمرين العرب في بورصة دبي التي حققت مكاسب هائلة خلال العامين الماضيين، فهل يعقل أن تنسحب إستثمارات الأردنيين من بورصة عمان وتذهب إلى بورصات الخليج بسبب غياب الثقة والدعم لبورصة عمان ؟ وهذا الأمر ساهم أيضا بهروب المستثمرين الأجانب من بورصة عمان .
إن لقاء جلالة الملك مع المعنيين في بورصة عمان لإعادتها إلى ألقها السابق يؤكد مدى أهمية تنشيط بورصة عمان وتفعيل دورها في النمو الإقتصادي، وذلك لا يتأتى إلا من خلال حلول عملية أهمها تفعيل الإستثمار المؤسسي في السوق، ولا سيما المحافظ الإستثمارية للبنوك عن طريق قيام البنك المركزي بتخفيض نسبة الإحتياطي النقدي الإلزامي على المبالغ المستثمرة في السوق، وذلك بهدف رفد إيرادات البنوك وتنويع مصادر دخلها، وكذلك تشجيع البنوك على تخصيص نسبة محددة من محافظها الإقراضية لغايات تمويل شراء الأسهم ولو بضمانات عالية، علما بأن البنوك لديها كفاءات بشرية متخصصة بالتحليل المالي، وتستطيع استكشاف الفرص الواعدة في السوق المالي، وخاصة للشركات التي توزع أرباح على مساهميها يبلغ عائدها الصافي المعفي من الضرائب نحو 3 أضعاف فائدة شهادات الإيداع التي يصدرها البنك المركزي !!.
كما يتطلب ذلك تشجيع المحافظ المؤسسية على الإستثمار في السوق مثل شركات التأمين التي تمتلك ودائع معطلة بملايين الدنانير، وكذلك صندوق إستثمار أموال الضمان الإجتماعي بهدف تعديل الكلف العالية لمحفظتها الإستثمارية وإقتناص الأسعار الرخيصة للأسهم الواعدة حاليا، وينطبق الحال على محافظ صناديق الإدخارو النقابات والتقاعد والوقف. وبدون هذه السيولة المطلوبة، سيظل السوق حكرا على فئات محدودة من المضاربين الأفراد الذين يتحكمون بأسعارالأسهم كيفما يشاؤون.
الرأي
18-آذار-2018 00:00 ص